العمال المصريون في مواجهة الثورة المضادة المدعومة من قبل الولايات المتحدة
بقلم بيل فان أوكين 25 آذار/ مارس 2011
إنّ صدور مرسومٍ هذا الأسبوع يحظّر الإضرابات والتظاهرات في مصر قد كشف النقاب عن الوجه الحقيقي للنظام ذو السيطرة العسكرية الذي خلف نظام حسني مبارك الدكتاتوري المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب الموقع الإلكتروني أهرام أون لاين، إنّ المرسوم: "يجرّم الإضرابات والإحتجاجات والتظاهرات والإعتصامات التي تعطّل الأعمال سواء العامة أو الخاصة، أو التي تؤثر سلباً على الإقتصاد بأي شكل من الأشكال. يحدّد أيضاً هذا المرسوم بقانون عقوبات مشدّدة لكلّ من يحرّض أو يدعو إلى التحرك، تصل إلى السجن لمدةٍ أقصاها سنة واحدة، وغرامة مالية تصل إلى نصف مليون جنيه (84,000$ دولار أميركي)".
في عبارة أخرى، يسعى النظام الحالي إلى تحريم لا بل تجريم الأساليب نفسها التي لجأ إليها ملايين المصرييّن لمعارضة مبارك وإبعاده عن السلطة في 11 شباط/ فبراير، بعد 18 يوماً من التظاهرات الحاشدة.
وعلاوة على ذلك، من شأن المرسوم أن يضع، قبل كل شيء، الأطر القانونية لقمع نضال الطبقة العاملة المصرية البطولي بعنف، هذا النضال الذي تجلّى عبر سلسلة إضرابات جماهيرية استمرت في التصاعد خلال السنوات الأربعة السابقة للاحتجاجات التي اندلعت الشهر الماضي في ساحة التحرير.
وفي أعقاب سقوط مبارك، حاول العمال في كافة أنحاء البلاد الضغط من أجل تحقيق مطالبهم بزيادة الأجور، وحقهم في العمل، وحقوقهم الديمقراطية الكاملة، وإقالة المدراء والبيروقراطيين النقابييّن الذين كانوا في خدمة النظام الدكتاتوري.
والجدير بالذكر أنّه في الأسابيع الأخيرة، قام عمّال السكك الحديدية والصيادلة والأطباء والعاملين في المتاجر وفي الإعلام والمتقاعدين وحتى الشرطة بتنظيم إضراباتٍ واحتجاجاتٍ واعتصامات سيعتبرها القانون الجديد جرائم يتمّ المعاقبة عليها. بضعة أيام وحسب قبل الإعلان عن صدور المرسوم، قام أكثر من 1000 متعاقد مؤقت يعمل في شركة المشروعات البترولية والإستشارات الفنية "بتروجيت" بالسويس بتنظيم اعتصام شعبي للاحتجاج ضد تسريحهم من مشاريع الشركة والمطالبة بحقهم في أن يُعامَلوا كموظفين متفرّغين.
لقد فسّرت الطبقة العاملة الإطاحة الناجحة بدكتاتور حكم البلاد لأكثر من 30 سنة كانتصار من شأنه أن يترافق مع تلبية مطالبها العادلة.
وصرّح علي فتوح، وهو سائق يعمل في النقل العام، لأهرام أون لاين قائلاً: "كنّا فعلاً نأمل بأن تدعمنا الحكومة الجديدة وتنظر في مطالبنا"، وأضاف: "توقّعنا منهم أن يتوجّهوا إلينا قائلين إنّ كافة مطالبنا القانونية موجودة على مكاتبهم، وإنّهم سيقومون بتحقيقها لنا في مهلة شهر أو اثنين.. هذا ظلم، لم لا تأتوا بحلول لمطالبنا فلا نضطر إلى الإضراب. تعيدني لهجتهم بالذاكرة إلى عهد مبارك القديم، والتهديدات والقمع المستخدم في نظامه".
ذاك انّ خلفاء الرئيس السابق مبارك المنظّمين تحت إطار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأسه المشير محمد حسين طنطاوي الذي شغل منصب وزير دفاعٍ لنظام الدكتاتور طوال عقدين من الزمن، قد خرجوا باستنتاج مختلفٍ تمام الاختلاف. فالقيادة العسكرية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنّخبة المصرية الثرية الفاسدة وهي جزء لا يتجزأ منها. وبالنسبة إليها، إنّ سقوط الدكتاتور ليس سوى إشارة إلى وجوب تعزيز وتوحيد صفوف النّظام حول الأجهزة الأمنية الضخمة التي ما تزال راسخة في مكانها، مع استعمال خدمات عناصر "معارضة" من البرجوازية مثل الأخوان المسلمين، ومروراً بشخصيات مثل أحمد البرادعي وعمرو موسى لتأمين غطاء ديمقراطي لها.
وفي الأسابيع القليلة الأخيرة، أصبحت أهداف النّظام الذي يترأسه المشير طنطاوي وأساليبه المناهضة للثورة مكشفوفة أكثر من أي وقت مضى ومسلّطة بشكل متزايد نحو قمع نضالات الطبقة العاملة وإخمادها.
ففي 9 آذار/ مارس، قامت قوات مسلحة إلى جانب مجموعة من البلاطجة مرتدية ملابس مدنيّة وحاملة قضبان معدنية وعصي وأسلاك كهربائية بمسح ساحة التحرير بعنف منهالة بالضرب على متظاهرين لم يبارحوا الساحة منذ 28 كانون الثاني/ يناير. وقد تم جرّ المئات من المتظاهرين إلى معسكر اعتقال مؤقت حيث عذّبوا بالضربات الكهربائية، وضربوا، وتعرّضوا لاعتداءات جنسيّة.
وقد استُعمل عنف مشابه لتفريق المسيحييّن الأقباط الذين تظاهروا أمام مبنى التلفزيون والراديو الحكومييّن في القاهرة احتجاجاً على حرق كنيسة. وثمة أدلة متصاعدة على تعمّد النظام تأجيج انقسامات طائفية في مراهنة لتحويل مسار النضال الاجتماعي.
قام النظام هذا الأسبوع بفرض تعديلات دستورية وضعتها لجنة خاصة معيّنة من قبل قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتمت الموافقة عليها في تصويت عاجل. وفي حين أنّ القواعد الجديدة المؤقتة تترك الباب مفتوحاً أمام تحديد تاريخ الانتخابات وأسلوب عقدها في نهاية المطاف، فإنّها تحافظ على حالة الطوارئ المُعلنة في مصر والسائدة منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، وتحرص على استمرارية السلطات المطلقة الموضوعة في يد رئيس البلاد والتي شكّلت الدعامة الدستورية لنظام مبارك.
إنّ آخر التطوّرات الحاصلة في مصر، إلى جانب القمع الدموي في اليمن والبحرين وسوريا والآن إشعال فتيل حرب إمبريالية في ليبيا قد جعلوا من الواضح أنّ "ربيع الثورات العربية" قد شارف على الانتهاء. فقد هدّموا أي أساس لأوهام بأنّ الاحتجاجات السلمية والإطاحة بأي دكتاتور مكروه بوسعها، في حدّ ذاتها، تحقيق ديمقراطيةٍ حقيقية وتغييرٍ اجتماعيٍ فعلي، أو بأنّه من الممكن تحقيق تطلّعات العمال والمظلمومين تحت وصايةٍ من الأحزاب والسياسيّين البرجوازيين.
شكّلت الإطاحة بمبارك نصراً لا شكّ فيه ودليلاً على القوة الإجتماعية الهائلة التي تتمتّع بها الطبقة العاملة المصرية. ذاك أنّها منعت مبارك والجيش والنخبة المصرية الحاكمة وحماة النظام الرئيسيين في واشنطن من فرض "انتقالٍ منسّقٍ" يُبقي الدكتاتور في السلطة ليصمّم النظام الذي سيخلِفه بشكل مباشر. واضطروا إلى تراجعٍ تكتيكيٍ مهين أمام حركة الاضرابات والاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في كافة أنحاء مصر.
وبالرغم من ذلك كلّه، تبقى المسائل الرئيسة التي كانت وراء هذا النضال الشعبي غير محلولة، وكما الثورة التي بدأت في 25 كانون الثاني/ يناير لا تزال غير مكتملة، فإبعاد مبارك لم يكن في نهاية المطاف أكثر من الخطوة الأولى التي خطتها هذه الثورة ليس إلا.
ما زالت ظروف البطالة الجماعية التي يعانيها المصريون الشباب بشكل خاص على حالها ولم تتغير، كما هي أيضاً حال مستويات المعيشة التي هبطت بشكل يرثى له إزاء ارتفاع تكاليف الضروريات الأساسية. وما زالت الهوة واسعة جداً بين عشرات الملايين الذين يعيشون في الفقر والنخبة الثرية التي نهبت اقتصاد البلاد بالتحالف مع الرأسمال الأجنبي. وما زال تفاقم الأوضاع الإجتماعية الناجمة عن أزمة العالم الرأسمالي في تواصل.
وفي ظل هذا الوضع القائم في مصر، يبقى الجيش الذي شكّل حجر الأساس لنظام مبارك راسخاً في السلطة بثبات، بدعمٍ كاملٍ من واشنطن. ولم يكن بمجرّد الصدفة أن تمّ الإعلان عن المرسوم الذي يحظّر الإضرابات والإحتجاجات في اليوم نفسه لوصول وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى القاهرة ليشيد بـ"الدور البنّاء" الذي يلعبه الجيش المصري في المحافظة على "الاستقرار" في البلاد وليقدّم الوعود بمواصلة ضخّ مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية الهادفة لدعم عملياته المناهضة للثورة.
نرى اليوم المكاسب التي فازت بها نضالات الشعب المصري الواسعة النطاق ضد نظام مبارك مهدّدة بالخطر. ولا يمكن الدفاع عنها ودفعها للمضي قدماً إلا بموجب إستراتيجية سياسية جديدة تقوم على تعبئة الطبقة العاملة في النضال من أجل إسقاط النظام العسكري الذي يمثّل مصالح رأس المال المصري والأجنبي، واستبداله بحكومة عمّالية.
وقد برهنت الأحداث المصرية مرة أخرى صحة نظرية الثورة الدائمة التي خرج بها تروتسكي، والتي أثبتت أنّ النضال من أجل المطالب الأساسية بالحقوق الديمقراطية لا يمكن أن ينجح ويتحقّق إلا بالارتكاز إلى برنامجٍ إشتراكي ونضال الطبقة العاملة من أجل الوصول إلى السلطة.
وفي حين أتت الأحداث المصرية بالإثبات على القوة الهائلة التي تتمتّع بها الطبقة العاملة، فإنّها برهنت أيضاً أنّه لا بدّ من وجود قيادة إشتراكية ثورية واعية.
وقد سمح غيابُ قيادة مماثلة كما ومنظور ثوري واضح، للبرجوازية المصرية وبدعم من الامبريالية، أن تقلب الوضع لصالحها مستغلة الانقسامات الطبقيّة في صلب الحركة الواسعة التي اجتمعت حول ساحة التحرير، ومستندة على الطبقات الأوفر حظاً التي لا رغبة لديها في رؤية الثورة تذهب في إنجازاتها أبعد من الإطاحة بمبارك.
يتكشف الطابع الطبقي للصراع الذي ينمو حالياً في مصر، أكثر فأكثر. والبلاد بحاجة اليوم إلى قيادة جديدة تشرح أنّه لا يمكن تحقيق المطالب الديمقراطية والاجتماعية للعمال المصريين والمظلومين إلا عبر تطبيق سياسات إشتراكية، وأنّ انتصار الثورة في مصر يستلزم إستراتيجية عالمية بوسعها أن توحّد صفوف العمال المصريين والطبقة العاملة العالمية في نضال لهزم البرجوازية العربية، والنظام الصهيوني في إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، والإمبريالية الأوروبية.
ولهذه الغاية من المفترض تشكيل حزب جديد للطبقة العاملة، يكون فرعاً للجنة العالمية للأممية الرابعة، ليناضل في سبيل تحقيق هذا المنظور ويسلّح الطبقة العاملة المصرية سياسياً معدّاً إياها للصراعات الطبقيّة الكثيفة القادمة.
***
تمّ تعريب هذا المقال من الإنكليزيّة. يحثّ الموقع الإلكترونيّ للاشتراكيّة العالميّة (WSWS)القرّاء في مصر وجميع أنحاء الشرق الأوسط على الاتصال بنا اليوم والبدء بالنضال في سبيل الاشتراكيّة. للإطّلاع على مزيد من المقالات في اللغة العربيّة، انقروا هنا.
تعريب نادين ديب- تي تي إنترناشونال غروب ش.م.ل. (لبنان)
Follow the WSWS